جنـــــــــــــــــون صبــــــــــــــي
قصة حقيقية معاصرة لاغتيال اختراع عربي فى مهده من
زمن بعيد فى بداية النصف الثاني من القرن العشرين أي ما يربو على أكثر من
نصف قرن وفى إحدى القرى المصرية بجنوب محافظات الدلتا بجمهورية مصر
العربية جرت هذه الأحداث لصبى صغير ولد في أسرة فقيرة نسبيا وعدد أفرادها
كبير ومعظم أفراد هذه الأسرة بل والعائلة أيضا يعملون في مجال صيانة
السيارات بكافة أنواعها سواء فى الصيانة أو فى تشغيل السيارات, وحيث كانت
عادات الأسر المصرية العريقة قديما أن كل رب أسرة يعتبر مدرسة لأبناؤه
ويعمل جاهدا على تعليم أولادة منذ صغرهم كل خبراته فى مجال عملة حتى
يكونوا ورثته فى عملة وخبراته ولا تنقرض خبراته التى كونها على مر الزمن
إرثا عن أبائه وأجداده وهذا مع الحرص والالتزام بمتابعة تعليمهم بالكتاتيب
والمدارس, وفى هذه البيئة بمكانها وزمانها نمى وترعرع منذ طفولته صبى صغير
اسمه شحات سعيد وهو الابن الأكبر لصاحب ورشة لصيانة وإصلاح السيارات ونظرا
لذلك فكان هذا الصبي يرافق والده من بداية المرحلة الابتدائية فى تعليمة
لمساعدته بصفته الابن الأكبر لوالدة وذلك بعد أوقات الدراسة وأيضا في
الأجازات الصيفية فتعلم من والده الكثير والكثير في وضع حلول لمعظم مشكلات
صيانة وإصلاح السيارات
ولقد كان والده حريص كل الحرص
على متابعة نجله الأكبر لدراسته في المدرسة الابتدائية مع تعليمه صيانة
وإصلاح السيارات في الورشة الخاصة به حتى تفجر عند الصبي الصغير شحات حب
بل عشق شديد للسيارات والتعامل معها ومع أجزائها وأصبحت هوايته الرئيسية
هى التغلب على المشكلات الخاصة بالأعطال التي تنتج من تشغيل السيارات,
وبرع واشتهر في تلك الفترة بين رفاق سنه في تصنيع نماذج من السيارات بجميع
أشكالها وموديلاتها حيث تستخدم في لعب الأطفال وذلك بتصنيعها من الأسلاك
الحديدية وورق الكرتون المقوي.
وكان الصبي شحات على مدار طفولته
له العديد من الأفكار والتصرفات التي كانت تعتبر أحيانا فى نظر الآخرين
جنون حتى فى نظر والده, وكان لوالده العذر طبعا نظرا لقلة تعليمة وغرابة
ما يشاهده ويسمعه من صبية الصغير وأكبر أبناؤه سنا حيث كان يضحك علي أفكار
وتصرفات ابنه كثيرا فى البداية وهذا ما كان يجعل الصبي الصغير يصر كل
الإصرار على التواصل فى أفكاره حتى يصل إلى نهاية مرضية له ولكن بسريه حتى
يتجنب سخرية والده والآخرين من المحيطين به.
وعندما وصل الصبي شحات
لسن الثانية عشر وكان آن ذاك فى الصف الأول الإعدادي كان يحب القراءة
كثيرا وفى شتى المجالات ولا يكتفي بمذاكرة وقراءة المناهج الدراسية
المقررة عليه وكان من عاداته قراءة جميع الأوراق التى تصل ليده حتى
الأوراق التى يصنع منها أكياس الفاكهة أو التى يلف فيها المشتريات أو
المأكولات أو خلاف ذلك كما كان يدخر من مصروفة الصغير لشراء الكتب
والمجلات.
وفى هذه الفترة الزمنية من مراحل نمو تلك الصبي أبتكر طرق
لتشكيل أصابعه العشرة بكفي يديه بشكل يمكنه من إيجاد حلول لجميع مسائل
جداول الضرب الرياضية من سطر 1× 1 إلى 10×10 والتى أبهرت جميع مدرسيه
وناظر مدرسته, مما أشادوا بهذا التلميذ وبفكرته أبان ذاك وتم نشرها فى
مجلة الحائط بالمدرسة وكانت محور خطبة للسيد ناظر المدرسة للتلاميذ فى
صباح يوم من الأيام الدراسية وأطلق عليه السيد ناظر المدرسة فى هذه الخطبة
لقب مهندس الحسابات وظل هذا اللقب يتردد بين المدرسين وزملائه فى المدرسة
وكان هذا الزمن فى عام 1968 على وجه التقريب ولم يكن أحدا فى تلك الزمن
يسمع عن وجود الآلات الحاسبة مطلقا.
وكانت لهذه الأحداث وقعها
المباشر على نفسية وشخصية الصبي شحات, والذي زاده إصرارا وأملا فى انه
لديه القدرة على التفكير فى كل ما هو حوله لوجود حلول للمشاكل التى يراها
تعوق قدرة البشر فى معظم أمور الحياة
ولكن لصغر سنه وقلة تعليمة فى
هذه المرحلة كانت تواجهه عقبات كثيرة فى فهم بعض الأمور فى الحياة وعلى
الخصوص فى مجال السيارات التى كانت تاستهويه وتبهره حركة الأجزاء فى
السيارات ومعداتها فكان دائما يتوجه بأسئلته الكثيرة إلى والدة كمرجعة
الأول فى الحصول على الإجابات المرضية له, وعلى الرغم من ذلك كان والده
يضيق صدره في بعض الأحوال من كثرة أسئلته واستفساراته الكثيرة في مجال
السيارات, إلى حد عدم تمكنه من إجابته أحيانا لزيادة صعوبة أسئلة الصبي
شحات على والده في تلك الفترة, وكان لا ييأس من ذلك حيث انه كان ومازال
يتحلى بالصبر والمثابرة والعزم والإصرار فى الوصول لما يريد إثبات صحته أو
العكس فى اى أفكار تدور فى فلك عقله, ويحاول أن يجد إجابات مرضيه له على
حد فهمه, مما فتح أمامه أبواب التفكير بنفسه للحصول على الاستفسارات
المقنعة له على حد تخيله في هذا السن, والتى تفوق إجابات والده على أسئلته
واستفساراته, وذلك عن طريق اللجوء إلي من يرى فيهم خبره في هذا المجال
تفوق خبرة والده, ومن شدة إصراره فى الحصول على ما يريد من معلومات التى
لا يجد إجابتها عند والده أو من يتوسم فيهم أنهم اكبر من والده علما ومن
ثم لم يجد أمامه إلا الإطلاع على الكتب والمجلات العلمية الخاصة بالسيارات
في هذا الوقت, وكان حب الاستطلاع عند شحات يجعله يحاول فحص بعض أجزاء
السيارات والتعرف عليها جيدا, ومحاولة التعديل في تصميمها, للوصول إلي
أفضل نتائج التشغيل لهذه ألأجزاء, والتفكير في بعض قطع غيار السيارات التي
تتطلب التعديل لتركيبها على سيارات أخري, من أنواع مختلفة للسيارات لعدم
توافر قطع غيار لها.
ولزيادة حبه وتعلقه بالسيارات, كان يحلم في
أثناء نومه في فراشه بطرق عديدة وسهلة لحلول بعض الأعطال في السيارات
ومعدات الورش, والتي كان يتحدث مع والده عنها قبل نومه, فينشرح صدر والده
من شدة تعلق ابنه بالسيارات وإيجاد الحلول لمعظم مشاكل التشغيل بها والتى
لم تخطر على بال والدة نفسه وهو ذو الخبرة القديمة والكبيرة فى مجال إصلاح
السيارات, ونظرا لشدة إعجاب والده بأفكاره فكان يمطره بعبارات التشجيع
والمكافئات المالية, على براعة تفكيره مما يعطي له دوافع كثيرة في التقدم
أكثر فأكثر, حتى أنه توصل في يوم من أيام عمره وهو في سن الخامسة عشر إلى
أن أبتكر فكرة أول سيارة يمكن أن تسير على الأرض, وتعبر الموانع المائية
وكذلك الحواجز, وتطير بطريقة الطائرة الهيلوكبتر, وذلك بتصميم الشكل
الخارجي لها, والجيربوكس الخاص بتحويل حركة المحرك الواحد للعمل في تلك
المركبة, سواء في البر أو البحر أو الجو.
وصارح والده بهذا الابتكار
ففرح به وبنجله كثيرا وكافأه عليه, وبدء والده فى نشر هذا الخبر بين جميع
أصحاب السيارات المترددين على ورشته, وعلى بعض الأشخاص المهتمين بمثل هذه
الابتكارات للمساعدة في تنفيذ هذا الابتكار أو المساعدة فى توصيل هذه
الأفكار لمن يهتم بمثل هذه الأمور فى الدولة
ونظرا لضيق التفكير في
عقول البشر في هذه الحقبة من الزمن, فقد لاقي الصبي إهانات جامة من معظم
الناس واتهامات كثيرة له ولوالده بالجنون, فأصيب شحات في هذه الفترة
بالإحباط الشديد, وأصبح يتكتم أمره في أي عمل يقوم بالتفكير فيه والوصول
به إلى حلول أو ابتكار, حتى لا يتهم بالجنون, وبعد أن انتهت فترة دراسته
بالمدرسة الإعدادية كان عشقه للسيارات قد بلغ ذروته, حتى أنه اندفع إلى
التعليم الصناعي, ليبدأ في الالتحاق بقسم السيارات للدراسة الجادة به,
وذلك مع التزامه بالعمل في الورشة مع والده, وبدأ يتقدم يوم بعد يوم في
دراسته, وفي أفكاره البسيطة في عمل الإصلاحات في السيارات في ورشة والده,
حتى بدأ يصل إلى حد من الشهرة, في بلدته مع والده وذلك نظرا لتمكنه من
إصلاح ما تعجز الورش الأخرى عن إصلاحه, وصار يتقدم في دراسته تقدم ملحوظ
لأساتذته بالمدرسة, وبلغ من التفوق في المدرسة الثانوية الصناعية شهرة
كبيرة بين زملائه في الدراسة, ومرت السنين حتى انتهي من دراسته بالمدرسة
الثانوية الصناعية, بقسم هندسة السيارات والجرارات, وحصوله على دبلوم
المدارس الثانوية الصناعية عام 1974 م, بالتفوق الباهر حيث كان الأول على
محافظة المنوفية في دبلوم المدارس الثانوية الصناعية, وكذلك الثالث على
مستوي الجمهورية وحصل من المدرسة على مكافأة تفوق نظير ذلك.
وبعد
مرور زمن كبير وفى أثناء مشاهدته للتلفزيون شاهد بالمصادفة ابتكاره نفسه
وهو يتحرك أمامه على شاشة التلفزيون, بعد تصنيعه في دول أخرى فحزن على
ابتكاره وضياعه منه, نظرا لظلام الجهل والتخلف الذي يحيطه ممن هم حوله,
ورغم حزنه الشديد على فقد واغتيال اختراعه للسيارة التى تتمكن من السير فى
البر والبحر والجو فقد فرح فرحة عارمة, لأن ذلك أثبت له أولا: أنه ليس
بمجنون, ولكنه كان فازا في تفكيره, وقد سبق العالم كله في تفكيره وابتكاره
لهذه المركبة, وجمع كل الناس الذين اتهموه في صغره بالجنون, وتسببوا له في
الإحباط النفسي على مر فتره كبيرة من الزمن, ليقص عليهم ما شاهده على شاشة
التلفزيون, مما جعله يستعيد ثقته بنفسه, ويطمأن على أنه ليس بمجنون ولكنه
ذو عقلية فازه وأفكار بناءه ومرتفعة.