الفصل الثاني:
موقف غريب
فتاة مثلي ليست جميلة وليست قبيحة,
لا تجد من يعطيها أهتمامه و حبه من الشباب, ولكن هذا لم يكن يشغلني
كثيراً, فلقد كنت أصد كل من يتحدث لي خوفاً منه و من نواياه, لدرجة أني
عندما دخلت إلي المرحلة الثانوية لم أكن أنظر لهم حتي ولا أعطي لهم أي
فرصة لتحدث معي.
وفي أحد الأيام و بينما أنا منتظرة أي سيارة أجرة حتي
أذهب إلي بيتي وجدت شاب يبدو و أنه من طبقة أعلي منا نسبياً, فكان وسيم,
طويل, عريض المنكبين و يبدو عليه أنه يمارس نوعاً ما من الرياضة. وجدت
نفسي أنظر له بشدة فأشحت بوجهي عنه بمجرد مجيء ما سمعته من صديقاتي
بالمدرسة عن نوايا الشباب السيئة.
ركبت أول سيارة جاء إلي موقف
السيارات و أخرجت كتاب التاريخ كي أراجع بعض الصفحات, وبعد أن أنتهيت
لاحظت أني لم أدفع الأجرة للسائق... فهممت بإخراج نقود لأدفع ففوجئت بذلك
الشاب يحدثني قائلاً " لا تخرجي نقود يا أنسه أمنية فلقد دفعت لكي "
فتعجبت من جرائته و معرفته لأسمي, ولكن بمجرد أن تلاقت أعيننا شعرت بقلبي
وكأنه سينفجر, والدماء تندفع بقوة إلي وجهي كي تغمره بلونه الأحمر الداكن,
لقد كن هذا الشاب وسيماً حقاً لدرجة أنه يمكنه أن ينافس جميلات العالم في
مسابقات عالمية – لا أدري إذا كان هذا رأي كل رؤه أم أني فقط من رأيته
هكذا – فتأسفت له و تحججت بعدم معرفتي له ولكنه أصر علي موقفه ثم أشاح
بوجهه عني معلناً أنقطاع الحديث, فأخذت أنظر له, لا بل أأكله بعيني و
أتفحصه من قدميه وصولاً لشعره الطويل المنسدل علي كتفيه و كأنه حرير,
فشعرت بغيره من كون شعره أجمل من شعري بكثير, وتيقنت من كونه من طبقة أرقي
عندما لاحظت وجود موبيل معه, ولكن كل ذلك لم يمهني, فأنا لا أهتم
بالمظاهر, كل ما همني هو أدبه وأسلوبه الجذاب الذي شدني إليه.
سألتني إحدي السيدات المجاورات لي في السيارة إذا كنت أعرفه, فأجبت بالنفي.
توقف
قلبي عندما سمعته يطالب السائق بالتوقف, فهو بالتأكيد سيترجل هنا, كيف لي
أن أسأله عن أي شيء عنه؟ كيف سأراه ثانية؟ هل هو معي بالمدرسة؟ فيبدو أنه
ركب السيارة مخصوصاً كي يتحدث معي, فالمسافة التي قطعتها السيارة بنا لم
تتجاوز الكيلو متر الواحد.
ترجل هذا الشاب من السيارة و أخذت أتبعه
بعيني و هو يتجه إلي احد المباني الفخمة و السيارة تبتعد و تبتعد, عقدت
النية في نفسي أن أبحث عن هذا الشاب غداً في كل مكان حتي إذا أضطررت إلي
المجيء لتلك المنطقة و السؤال عنه, ولكني لاحظت عدم معرفتي لأسمه.
ذهبت
إلي المنزل و أنا لا أزال أفكر في ذلك الشاب الذي لم أري له مثيل من قبل,
وجدت أمي تنتظرني في الصالة فجلست معها و أخذت أحكي لها كل ما حدث و أنا
أصف في شكله بحماس شديد, حتي إذا فرغت وجدت أمي تنظر لي بعينين باسمتان
متفحصتان و كأنها تعرف ما يجول بخاطري, ثم سألتني قائلة " ألم تعرفي من
هو؟ "
فأجبت بالنفي, فسألتني " أين ترجل من السيارة؟ "
فأجبت " ترجل أمام منطقة الكيماويات "
فعلت
أمي نظرة غريبة و برقت عينيها بريقاً غريب و قالت " يا بلهاء عله يكون أحد
أقربائي, فالتجدي ذلك الشاب بأي طريقة و تأتيني برقم هاتفه "
*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*$*
مر
ذلك اليوم ثقيلاً لا ينقطع فيه ذكر ذلك الشاب من علي لساني وكأني أتحدث عن
نفسي, فكلما تحدثت لأحدي صديقاتي أخذ بوصفه و كأني أصف زوجي, فكنت أذكر كل
شيء عنه و كأني أعرفه منذ يوم ولادتي.
جاء اليوم التالي و أنا لم أنم
طوال الليل من كثرة التفكير في ذلك الشاب الذي سحرني و شل تفكيري عن أي
شيء أخر, وعندما وصلت للمدرسة في الصباح أخذت أجول ببصري وسط جموع الشباب
علي أمل أن أجده بينهم, ولكنه لم يكن موجوداً, لاحظت إحدي صديقتي نظري
المتكرر والفاحص لجموع الشباب فسألتني مستفسرة عن السبب, فحكيت لها عما
حدث معي أمس وما كلفته بي أمي, فقالت و قد أعتلاها الحماس " أمنية, يا لكي
من محظوظة, ألا تعرفي ذلك الشاب حقاً؟" فهت رأسي نفيا و قلت " هل تعرفيه؟
" فقالت و قد علاها الزهو " بالطبع أعرفه, انا أعرفه جيداً, ومن تلك
البلهاء التي لا تعرف أحمد؟ "
فقلت ببئس " أنا "
فقالت " كيف لا تعرفيه وهو أشهر من النار علي العلم؟ "
فقلت " أنتي تعرفيني, أنا لا أنظر حتي للشباب "
فقالت " ألا تتابعي أخبار الرياضة أو الكمبيوتر أو حتي تقرئي قصص و أشعار؟ "
فقلت " لا, لماذا كل هذا؟ "
فقالت
مسرعة و بحماس متزايد " أتعرفي أنه هو من أصلح معمل الكمبيوتر بالمدرسه
وحده, و أنه حاصل علي 20% درجات تضاف إلي درجاته أخر العام لحصوله علي عدة
بطولات في الكراتيه و كمال الأجسام و إنشاءه معمل تطوير تكنولوجي بالمدرسة
؟ "
فقلت وقد اعتلتني الدهشة مما سمعت " هل فعل حقاً كل ذلك؟ "
فردت
بالإثبات, فأزدا فضولي لمعرفة المزيد عنه ولكن صديقتي لا تعرف عنه أكثر من
ذلك فهو علي حسب ما قالت لي صديقتي لا يتحدث إلي اي شخص بل لديه أصدقائه
الذين يتحدث معهم فقط.
أخذت أسأل الفتيات جميعاً علي أجد واحده تعرف
المزيد عنه, وكلما سألت إحدي الفتيات عرفت معلومة جديدة عنه, ولكن لا
واحده من الذين لديهم رقمه أرادت أن تعطيني إياه, فعل حسب قولهم أنه لا
يعطي رقمه إلي أحد و إذا أعطاه لأحد أستحلفه بالله ألا يعطيه لأحد أو أراه
إياه مهما كان.
مر اليوم الدراسي ولم يتوقف عقلي عن التفكير لو للحظة
واحده, وطوال اليوم لم يظهر بالمدرسة, ولكني كنت أصبر نفسي علي ثقل الوقت
وعدم ظهوره بأني سأراه عندما واقفاً مع أصدقاءه خارج المدرسة, وعندما خرجت
من المدرسة أخذت أبحث عنه بعيني ولكني لم أجده.
تحسرت كثيراً لعدم ظهوره, وأنتظرت كثيراً بموقف السيارات لوكنه لم يظهر, فركبت إحدي السيارات و مضيت إلي منزلي.
مضي
الوقت و أنا بالسيارة ثقيلاً, فالثانية كاليوم, و الدقيقة كالسنة, و
الساعة كالدهر.......... كنت حزينة للقلة حيلتي, وضعفي........ كنت بأمس
الحاجة إلي أن أراه........ كنت أريد أن أتأمل ملامح وجهه الجميل, قسمات
جسده العريض......... ولكنه لم يأتي.
وصلت السيارة إلي المكان
المنشود فنزلت منها وأنا أكاد لا أري ما تحت قدمي, كنت أسير ببطء شديد
لشدة ما بي من أسي و حزن علي عدم رؤيته اليوم.
فجأة توقف كل شيء.......
توقف قلبي عن النبض........ توقف نفسي عن الخروج من صدري أو الدخول
إليه............ توقف الزمن........... و توقفت قدماي أيضاً عن السير,
ولكن ما لم يتوقف هو رأسي الذي دار سريعاً لدرجة أني كدت أن أقع, دار رأسي
فيما حولي في محاولة مني لرؤية مصدر الصوت الذي نادي بأسمي...........
وبالرغم من كوني متأكدة من أن من ناداني كان أحمد إلا أنني أخذت أبحث
بعيني علي أكون مخطئة في تميز صوته, فأنا لم أعتد عليه بعد.
---------------يتبع---------------